يضيق الطوق حول العنق. يتعرض لبنان لأقصى أنواع الضغوط. الهدف شراء السلام بالتفاوض المباشر مع “إسرائيل”. إنها الفكرة التي تتجدد بين فترة وأخرى، فيحاول لبنان تجاوزها من خلال طرح التفاوض غير المباشر أو الديبلوماسية المكوكية الأميركية.
اليوم تغيرت الظروف، يريد الكيان الإسرائيلي صورة رسمية لجولة تفاوضية بين وفدها ووفد رسمي لبناني. ترفض “تل أبيب” تقديم أي تنازل، والالتزام بالاتفاق الذي وقعت عليه في 26 تشرين الثاني 2024، قبل الدخول في المفاوضات المباشرة. بينما لبنان يرفض التفاوض قبل تطبيق الاتفاق. وإذا دنت اللحظة، فهو يفضل التفاوض غير المباشر، إما وفق ما اعتمد خلال ترسيم الحدود البحرية، وإما عبر وفد تقني عسكري في الناقورة.
طفولية في التفاوض.. وتهكُّم
من ضمن الرسائل الديبلوماسية التي يتلقاها لبنان حول التفاوض المباشر، يمرّر الرُسُلُ بعضاً من التهكم حول آلية التفاوض غبر المباشر ويقولون: “هناك نوع من الطفولية في مجريات التفاوض، فهل يعقل أن يجلس وفدان لبناني وإسرائيلي في مقر واحد وغرفة واحدة، فيوجه اللبناني كلامه للأميركي لنلقه إلى الإسرائيلي وهو أمامه، فيقدم الإسرائيلي جوابه للأميركي الذي بدوره يعيد الكلام على مسمع اللبناني”. يقدم الوسطاء هذه الصورة التهكمية في محاولة لدفع لبنان إلى التفاوض المباشر، إلا أن مكمن الخطورة لا يتعلق بالشكل، بل بالمضمون وبما سيلي أي فكرة تفاوضية.
تلويح بالعقوبات والإهمال… وسلوك مسار الانهيار
فالخطورة تتضح من حجم الضغوط الأميركية والإسرائيلية. على خط واشنطن، الهدف واضح والمطلب أوضح، وهو سحب سلاح حزب الله بالكامل، وتوقيع اتفاق مع “إسرائيل”، بغض النظر عن “مسمى هذا الاتفاق”.
تستمر الولايات المتحدة الأميركية في تمرير رسائل التحذير للمسؤولين اللبنانيين من التخلي عن لبنان ووقف الاهتمام به وعدم حصوله على أي مساعدات أو استثمارات، وتركه لمصيره، وهو ما كان قد عبّر عنه بوضوح الموفد الأميركي توم باراك عندما قال إن أحداً لن يقوم بالمهمة الواجبة على اللبنانيين، وإذا لم يستفد اللبنانيون من الفرصة القائمة، فإن أحداً لن يقدّم إليه أي مساعدة. وهذا الكلام له ترجمته العملية من خلال ما يتسرب حول اللجوء إلى فرض عقوبات، أو منع تقديم مساعدات وعدم التمكن من إعادة الإعمار والاتفاق مع صندوق النقد وغيرها، ما يعني أن يعود لبنان إلى سلوك مسار الانهيار.