بين أخلاقيات العلم وشركات صناعة الأدوية اللاأخلاقية/ بقلم العميد البروفسور تيسير حميَّة العاملي
يتناول هذا المقال تأثير المصالح التجارية لشركات الأدوية الكبرى على السياسات الصحية، خاصة ما يتعلق بتوافر الأدوية الفعَّالة ومنع أو إهمال استخدامها لصالح منتجات أكثر ربحًا. يُبرز المقال أمثلةً متعددةً من أدوية أساسية أثبتت فعاليتها ولكن تم تهميشها أو رفع أسعارها أو تجاهلها بسبب انتهاء براءات الاختراع أو ضعف الجدوى الربحية. يهدف المقال إلى إثارة النقاش حول الأخلاقيات الطبية والنظم البديلة التي يمكن أن توازن بين الربح والعدالة الصحية.
كنت دائما أتساءل عن السبب العميق الذي كان يدفع بأساتذتي يوم كنت طالبا في كلية هندسة الكيمياء الصناعية عام 1980 في فرنسا، للقول إن هناك أسرارا وراء تصنيع بعض الأدوية وعدم تصنيع بعضها الآخر، من أهمها وجود لوبي الشركات الصناعية الموكلة بتصنيع الأدوية والتي تريد دائما المزيد من الأرباح ولو على حساب المرضى، وفي أحد المؤتمرات البحثية الدولية التي شاركت فيها عام 1994 في مدينة لبون الفرنسية بورقة بحثية ومحاضرة علمية تتعلق بالنمذجة الرياضية لتقنيات الكروماتوغرافيا العكسية.
وفي هذا المؤتمر نفسه، ألقى أحد الباحثين محاضرة يظهر فيها أخطاء جسيمة ارتكبها بعض الصناعيين الذين كانوا يقولون بانه يوجد كميات معتبرة من الكوليسترول في بعض الزيوت النباتية الموجودة في الأسواق. فتذكرت كلام أساتذتي الذي سمعته منهم سابقا بأن وراء الأكمة ما وراءها ويوجد في كثير من الأحيان اختلاف بين العلوم الأكاديمية وشركات التصنيع التجارية التي تتوخى الربح الكبير حتى ولو كان ذلك على حساب أرواح العالمين.
واليوم وبعد مضي أكثر من ثلاثين سنة على هذه القضية، اردت أن ألقي ضوءً على هذه المشكلة القديمة الحديثة، خصوصاً بعد تجربتي الشخصية الخاصة التي تتعلق باستخدامي عام 1982 دواءً للحساسية الدورية المفرطة والمزمنة الناجمة عن الربيع وحبوب اللقاح المتطايرة في الهواء وأني عندما استخدمت الدواء الذي وصفه لي الطبيب حينها بقيت بعدها مدة عشرة أعوام معافىً من كل مشاكل الحساسية.
ولما تعرضت مرة أخرى لمشاكل الحساسية عام 1993، توجهت فوراً نحو الطبيب المعالج وقلت له أنني اعرف دائي كما أعرف دوائي وطلبت منه ان يصف لي الدواء نفسه الذي ساعدني على شفائي عام 1982 ولكني صعقت بقول الطبيب الذي أخبرني بأن هذا الدواء لم يعد موجودا واستبدل بأدوية أخرى منذ عدة سنوات وهي:
Claritine, Zyrtec وغيرها.
فقلت في نفسي المهم الشفاء من المرض بصرف النظر عن نوعية الدواء الذي يصفه الطبيب العالم بطرق مكة وشعابها. والنتيجة كانت أن هذا النوع من الدواء من نوع مضادات الهيستامين هو يفيد المريض آنيا وفي كل سنة يجب تجديده بعكس الدواء السابق الذي شافاني لمدة طويلة.
لذلك قلت بأن وراء إيقاف الدواء الناجع والشافي أموراً مالية منعته من الإستمرار في معالجة المرضى خاصة لأنه يغنيك في هذا المجال عن الذهاب للطبيب مدة عشرة أعوام.
يتضح إذن من هذه التجربة الخاصة أن وراء الأكمة ما وراءها بالفعل والمستفيد الاول من تغيير الأدوية المصنعة باستمرار هي تلك الشركات التجارية التي لا ترتوي من مليارات الدولارات ربحا سنوياً بل تريد المزيد والمزيد.
وفي العالم المثالي، يفترض أن تقود الأدلة العلمية إلى اتخاذ القرار الطبي الإنساني الصحيح، وأن تُتاح العلاجات الفعَّالة لجميع المرضى بصرف النظر عن الربحية. لكن الواقع يكشف عن فجوة متزايدة بين العلم والسوق، حيث تلعب المصالح التجارية دوراً كبيراً في التأثير على توفر الأدوية أو إقصائها، أحياناً حتى ولو على حساب صحة الإنسان.
أولاً: آليات التأثير التجاري في سوق الأدوية
- براءات الاختراع كمصدر احتكار
• تتيح حماية الملكية الفكرية للشركات تسعيرًا احتكاريًا.
• فور انتهاء البراءة، تبدأ محاولات منع أو تأخير المتفرع منه عبر المحاكم. - التسويق الطبي الموجّه للأطباء والمستشفيات
• يُروّج للأدوية الجديدة بكثافة رغم عدم تفوقها الإكلينيكي على القديم.
• تُهمَّش البدائل الأرخص أو غير المسجلة كأدوية رسمية. - اللوبيات السياسية وتنظيم السوق
• تنفق شركات الأدوية مليارات على جماعات ضغط تؤثر في التشريعات.
• يتم الضغط لتقليص الدعم للأدوية التي لا تحقق أرباحاً عالية.
ثانيًا: حالات وأمثلة واقعية
هناك أمثلة عديدة تُطرح في الأوساط الطبية والإعلامية حول كيف يمكن للمصالح التجارية أن تؤثر على توافر أدوية فعّالة أو استخدامها على نطاق واسع. وفي بعض الحالات، هناك أدوية كانت فعّالة للغاية ولكن تم إيقافها أو تقييد استخدامها بسبب عوامل اقتصادية أو تجارية. بعض هذه الأدوية كانت قد ثبت فعاليتها في علاج أمراض معينة، لكنها لم تُنتج أو لم تُوزع على نطاق واسع بسبب عدم تحقيق أرباح كبيرة للشركات المصنعة أو وجود مصالح تجارية قد تتعارض مع استخدام تلك الأدوية
إليك أبرزها:
- الإنسولين – من اكتشاف altruistic إلى سلعة محتكرة
رغم أن مخترعيه تبرعوا ببراءة اختراعه، فإن أسعار الإنسولين ارتفعت بشكل هائل، خصوصاً في الولايات المتحدة، ما أدى إلى صعوبة حصول مرضى السكري على العلاج الأساسي لهم. - الهيدروكسي كلوروكين والإيفرمكتين – جائحة كورونا كنموذج جدلي
خلال الجائحة، انقسمت الآراء العلمية حول فعالية هذه الأدوية، لكن ما لا يُنكر هو وجود حملات متضادة مرتبطة بصراع بين الأدوية منخفضة التكلفة واللقاحات أو العلاجات التي تحقق أرباحاً بالمليارات. وقد رأى الكثير من الباحثين أن المصالح التجارية دفعت باتجاه تجاهل هذه الأدوية لصالح علاجات أو اللقاحات أغلى. - الفيتامينات والمكملات المهملة
الفيتامين D والمغنيسيوم وغيرهما من المكملات أظهرت فعالية في تقوية المناعة وتحسين الصحة، لكنها غالبًا ما تُهمّش لأنها غير قابلة للاحتكار أو لا تحقق أرباحاً عالية. - الدواء المضاد للجرعات الزائدة Naloxone
رغم قدرته على إنقاذ حياة مدمنين خلال ثوانٍ، إلا أن سعره ارتفع بشكل حاد بسبب الاحتكار، مما قلّل من انتشاره بين الفئات الأكثر حاجة. - دواء الميتفورمين (Metformin) لمرض السكري أو الدواء الرخيص مقابل البدائل الأغلى
وهو دواء ذو فعالية مثبتة، وسعره زهيد. ورغم ذلك، تُروَّج بدائل جديدة أغلى بكثير، بعضها لا يتفوّق عليه من حيث النتائج. والسبب هو أن شركات الأدوية لا تحقق أرباحاً كبيرة من الأدوية القديمة الرخيصة، فتدفع نحو وصف البدائل الجديدة. - دواء رانيتيدين (Zantac) لعلاج الحموضة كمثال على إهمال أدوية فعالة بسبب انتهاء براءات الاختراع
وهذا الدواء كان واسع الاستخدام لعقود وعند انتهاء براءة الاختراع، بدأت تظهر حملات تشكيك بالجودة والأمان. وبعض المحللين يرون أن تراجع استخدامه فتح الباب أمام بدائل أغلى. - دواء Avastin من أدوية علاج السرطان: الأغلى ليس دائماً الأفضل
استُخدم لعلاج أنواع معينة من السرطان. ففي بعض الحالات، لم يُظهر تفوقاً كبيراً، لكن تم تسويقه بكثافة. تمت الموافقة عليه لأغراض إضافية، ما أثار جدلاً حول فعاليته مقابل تكلفته. - العلاج بالفيتامينات: الفيتامين B6 ودواء لايتريل (Laetrile) أو B17
بعض الدراسات (خصوصاً غير الممولة من شركات الأدوية) ربطت بين هذه الفيتامينات وعلاج بعض الأمراض أو تحسين المناعة. لكنها لم تُستثمر تجاريًا بشكل كافٍ لأنها لا يمكن احتكارها أو تسجيلها ببراءة اختراع. لذا، لم تُعتمد رسمياً كأدوية، رغم بعض النتائج الإيجابية خيث لاقى شهرة في السبعينيات وكان يُروج له كمضاد للسرطان بشكل غير رسمي، لم توافق عليه الـ FDA، واعتبرته غير فعَّال، رغم أن مؤيديه يعتبرونه دواءً محاربًا من قبل الصناعة الدوائية لأنه طبيعي وغير قابل للترخيص التجاري - دواء السيليوستازول (Cilostazol)
كان يُستخدم لعلاج العرج المتقطع، وأظهرت بعض الدراسات فعاليته، لكن لم يُستخدم على نطاق واسع في بعض الأسواق بسبب ضعف الربحية مقارنة بأدوية القلب الأخرى الأحدث والأغلى. - دواء الليفاميزول (Levamisole)
كان يُستخدم كمضاد طفيليات ودواء مساعد في علاج السرطان، وأظهر تأثيرات مناعية مهمة، لكنه سُحب في عدة دول، منها الولايات المتحدة، بسبب “مخاوف تتعلق بالسلامة”، بينما يرى البعض أن السبب كان اقتصادياً بسبب انخفاض سعره. - دواء الـ Low Dose Naltrexone (LDN)
بجرعات منخفضة، يستخدم لعلاج الألم المناعي والالتهابات المزمنة، وحقق نتائج ملفتة في بعض الدراسات، لكن تجاهله الطب السائد لأنه لا يمكن تسويقه بنفس الربحية التي تحققها أدوية الألم والمناعة الأعلى ثمناً. - دواء الـ “بريدنيسولون” (Prednisolone) للسرطان
في السبعينيات، كان بعض الباحثين قد اكتشفوا أن الـ “بريدنيسولون” يمكن أن يساعد في علاج بعض أنواع السرطان. على الرغم من فعاليته المحتملة، فإنه ليس مربحًا من الناحية التجارية نظرًا لتوفر أدوية بديلة أغلى وأكثر ربحية. - الكينين لعلاج الملاريا: الكينين كان يستخدم لعلاج الملاريا قبل أن يتم استبداله بالعلاجات الأكثر حداثة، مثل الأرتيميسينين، والتي كانت أكثر ربحية في السوق. لكن هناك بعض الادعاءات بأن شركات الأدوية لم تروج للكثير من الأبحاث المتعلقة بالكينين بشكل مكثف بعد أن أصبح سعره أقل مقارنة بالأدوية البديلة.
- دواء الـ “Nicotinic Acid” (حمض النيكوتينيك) في خفض الكوليسترول: حمض النيكوتينيك كان يُستخدم لخفض مستويات الكوليسترول وتحسين صحة القلب. لكنه تم استبداله بأدوية أخرى مثل “ستاتينات” التي تم تصنيعها لاحقًا وحققت أرباحًا أكبر لشركات الأدوية، مما جعل الاستخدام الواسع لحامض النيكوتينيك يتراجع.
- دواء الـ “Colchicine” لعلاج النقرس: يستخدم الكولشيسين لعلاج النقرس ويعتبر فعالًا في تقليل الأعراض. ولكن نظرًا لأن هذا الدواء كان متاحًا بتكلفة منخفضة نسبيًا وكان بإمكان المرضى الحصول عليه بسهولة، أصبح الدواء أقل ربحية. في بعض الحالات، تم تقييد الوصول إليه أو تقليل استخدامه لصالح الأدوية الأكثر تكلفة والتي تقدم الشركات المصنعة لها أرباحًا أكبر.
- دواء “Hydrazine Sulfate”: كان يُستخدم لعلاج السرطان من خلال وقف تدهور البروتينات في الخلايا السرطانية. أظهرت بعض الدراسات فعالية في تحسين نوعية حياة المرضى، لكنه لم يحصل على دعم كبير من شركات الأدوية الكبيرة. تم إيقافه جزئيًا لأنه لم يكن مربحًا كما كانت العلاجات الأخرى.
- دواء الـ “Hydroxychloroquine” (هيدروكسي كلوروكوين): رغم أن هيدروكسي كلوروكوين هو دواء قديم يستخدم في علاج الملاريا وأمراض المناعة الذاتية مثل الذئبة، فقد كان له صدى في أوقات معينة كمحلول علاج محتمل لفيروس كورونا. خلال بداية جائحة كوفيد-19، جرت محاولات لاستخدامه على نطاق واسع، ولكن مع عدم تحقيق شركات الأدوية الأرباح المرجوة منه مقارنة بالعلاجات الجديدة والأغلى (مثل اللقاحات أو أدوية أخرى)، تم الحد من استخدامه تدريجيًا. قد تكون هناك أيضًا اعتبارات تجارية تلعب دورًا في توجيه الرأي العام إلى الأدوية الجديدة الأكثر ربحية.
- الـ “Clorox” (الكلور): رغم أن الكلور (أو هيبوكلوريت الصوديوم) يستخدم في تطهير الجروح وبعض الأمراض الجلدية، إلا أنه في بعض الأحيان كان يتم استخدامه بشكل أكبر كعلاج موضعي لبعض الالتهابات. ومع ظهور المنتجات الأخرى الأكثر تخصيصًا والتي تحقق ربحًا أكبر، بدأ استخدامه يتراجع.
- دواء الـ “Penicillin” (بنسلين): البنسلين هو أول مضاد حيوي اكتشف وكان فعالًا للغاية في علاج العديد من العدوى البكتيرية. مع مرور الوقت، تم تطوير أدوية أكثر تخصصًا مثل “سيفالوسبورينات” و”ماكروليدات”، التي كانت تحقق أرباحًا أكبر، ولذلك تم التوجه نحو هذه الأدوية بدلاً من البنسلين. وقد أدى ذلك إلى تقليص استخدام البنسلين، رغم أنه لا يزال فعالًا في حالات معينة.
- دواء الـ “Mephedrone” (ميفيوديرون): كانت هناك بعض الدراسات التي أظهرت أن “الميفيوديرون” (وهو مادة ذات خصائص مشابهة للأمفيتامين) قد يكون لها تطبيقات طبية محتملة في علاج اضطرابات مثل الاكتئاب أو اضطرابات الأكل. ومع ذلك، تم سحب هذا الدواء بعد فترة قصيرة من السوق بسبب قلة الربحية مقارنة بالمنتجات الأكثر شهرة وأغلى في علاج هذه الحالات.
- دواء الـ “Raloxifene” (رالوكسيفين): كان يُستخدم في علاج هشاشة العظام عند النساء بعد انقطاع الطمث. ورغم فعاليته، تم استبداله بـ”البيسفوسفونات” مثل “الزينويد” و”الراوندونيات”، التي تم تسويقها بشكل أكبر لأن شركات الأدوية قادرة على تحقيق أرباح أكبر من الأدوية الحديثة.
- دواء “Niclosamide” (نيكلوساميد):
وهو دواء قديم بمزايا حديثة… تم تهميشه والاستخدام الأصلي وقد طُوِّر في الستينيات كمضاد للطفيليات خصوصاً الديدان الشريطية في الجهاز الهضمي ويُستخدم حتى اليوم في بعض الدول كعلاج فعال، رخيص، وآمن. ويمكن أن يكون له استخدامات محتملة: خلال السنوات الأخيرة، خصوصاً في جائحة كوفيد-19، أعادت العديد من الدراسات فتح ملف نيكلوساميد لاستخدامه في مجالات متعددة: - مضاد فيروسات حيث أظهرت تجارب مخبرية أن للدواء قدرة على منع تكاثر فيروس كورونا داخل الخلايا وهو أيضًا فعال ضد فيروسات أخرى مثل زيكا وفيروس التهاب الكبد B
- مضاد للسرطان حيث أظهرت دراسات مبكرة أن نيكلوساميد يمنع نمو الخلايا السرطانية في نماذج حيوانية وخلوية ويعمل على مسارات مثل Wnt/β-catenin وmTOR – وهي أهداف معروفة في السرطان.
- مضاد للالتهاب والسكري ومقاومة الإنسولين وله تأثيرات على الميتوكوندريا ومسارات التمثيل الغذائي كما يُحتمل أن يكون مفيدًا في أمراض مزمنة متعددة.
لماذا لم ينتشر هذا الدواء رغم كل هذا؟ لأن دونه العقبات التجارية التالية:
• دواء قديم لا يُمكن تسجيل براءة اختراع جديدة له ولا يوجد حافز اقتصادي لتطويره من قبل شركات الأدوية الكبرى.
• سعره الزهيد لا يُدرّ أرباحاً كافية والجرعة الواحدة تكلف بضعة دولارات فقط، مقارنة بمئات أو آلاف الدولارات للأدوية الجديدة.
• غياب دعم التجارب السريرية الكبرى. وبدون تمويل كبير، يصعب إثبات الفعالية الإكلينيكية على نطاق واسع.
خلاصة أكاديمية: نيكلوساميد يُظهر كيف يمكن أن تتقاطع فعالية الدواء مع عوامل السوق فيُهمّش دواء قد يكون منقذًا للحياة.
إنه يطرح سؤالًا جوهريًا: هل نحتاج إلى نموذج اقتصادي بديل لدعم الأدوية “المنسية”؟ - “فالسارتان” (Valsartan):
وهو دواء قلوب الملايين… تسرّب إليه الخطر وهو دواء ينتمي إلى فئة مضادات مستقبلات الأنجيوتنسين II (ARBs) ويُستخدم في علاج ارتفاع ضغط الدم وفشل القلب والوقاية بعد النوبات القلبية، ويُعتبر من أكثر أدوية القلب استخدامًا في العالم، مدرج في قائمة منظمة الصحة العالمية للأدوية الأساسية.
الفضيحة كانت في حدوث تلوث عالمي في سلاسل التوريد. ما الذي حدث؟ في عام 2018، تم اكتشاف أن بعض دفعات Valsartan المُصنّعة من قبل شركات مقرها الصين والهند تحتوي على شوائب خطيرة قد تكون مسرطنة محتملة للإنسان والسبب يعود لتغييرات في عملية التصنيع الكيميائي لدى بعض المصانع لم يتم الكشف عن هذه الملوثات لسنوات.
الأثر العالمي:
• سُحب الدواء من الأسواق في أكثر من 30 دولة.
• أثار الذعر بين المرضى والأطباء.
• فتح النقاش حول سلامة سلسلة التصنيع العالمية للأدوية الجنيسة (Generic drugs)
خلاصة أكاديمية
فضيحة فالسارتان ليست عن دواء غير فعّال أو مهمَّش، بل عن مخاطر السوق المفتوحة حين تُفضل الشركات الكمية على الجودة، والغاية من ذلك تحقيق المزيد من الأرباح وتطرح هنا تساؤلات حرجة حول:
• فعالية أنظمة التفتيش الدوائي
• الحاجة إلى مزيد من الشفافية في مصادر الأدوية
• دور وكالات الدواء العالمية في الرقابة الوقائية
ثالثًا: النتائج الأخلاقية والاجتماعية لهذا التأثير
- تضارب المصالح بين شركات الدواء والأنظمة الصحية
- التمييز ضد المرضى ذوي الدخل المحدود
- غياب الشفافية في التوصيات الطبية
- ضعف الثقة في القطاع الصحي
رابعًا: مقترحات لإصلاح الوضع القائم
- تفعيل نُظم مراقبة مستقلة لقرارات تسعير وتوافر الأدوية.
- تحفيز البحث في الأدوية غير المربحة عبر تمويل حكومي أو غير ربحي.
- توسيع استخدام الأدوية الجنريك المدعومة ورفع الحواجز القانونية عنها.
- إدراج أخلاقيات السوق الدوائي ضمن مناهج الطب والصيدلة.
- تطوير لوائح شفافة تحكم العلاقة بين الأطباء وشركات الأدوية.
لكن ما يجمع هذه الأدوية المذكورة أعلاه هو افتقارها إلى الدعم التجاري، أو تهديدها لمصالح أدوية أخرى رائجة، أو وقوفها في وجه نماذج تسويق مُربحة. وهكذا، تتحوّل بعض الأدوية إلى ضحايا “اقتصاد السوق” أكثر منها ضحايا للعلم أو التجربة السريرية.
يُبرز هذا الواقع الأليم الحاجة الماسة إلى مراجعة منهجية لتقييم الأدوية خارج الأطر الربحية، وإلى مؤسسات مستقلة تكون قادرة على دعم العقاقير بناءً على جدواها السريرية والاجتماعية، لا فقط إمكانياتها التسويقية.
الخلاصة العام:
تشير هذه النماذج إلى أن تهميش المضادات الحيوية والأدوية المنسية لا يرتبط فقط بفعاليتها أو آثارها الجانبية، بل كثيرًا ما يرتبط بعوامل مثل الضغط التجاري والحملات الإعلامية وضعف العائد الربحي أو غياب الإرادة السياسية لتطويرها أو مراقبتها بدقة. إن إعادة تقييم دور الأدوية في الأنظمة الصحية، بعيدًا عن الاعتبارات السوقية، ضرورة ملحّة لإعادة التوازن بين ما هو علاجي، وما هو ربحي.
أن الأمثلة المدرجة أعلاه تُظهر بوضوح كيف يُمكن لمافيا شركات الأدوية، ولاعتبارات اقتصادية وتجارية وسياسية، أن تهيمن على صناعة الدواء، وتُقصي أدوية فعّالة وآمنة من التداول الواسع. إن كثيراً من هذه الأدوية المهمَّشة لا تنتمي إلى خانة العقاقير الرديئة أو الفاشلة سريريًّا، بل كثيرٌ منها تمتع بمستوى عالٍ من الفعالية، وساهم في إنقاذ الأرواح في ظروف متعدّدة.
لكن ما يجمع هذه الأدوية هو افتقارها إلى الدعم التجاري، أو تهديدها لمصالح أدوية أخرى رائجة، أو وقوفها في وجه نماذج تسويق مُربحة. وهكذا، تتحوّل بعض الأدوية إلى ضحايا “اقتصاد السوق” أكثر منها ضحايا للعلم أو التجربة السريرية. وعليه فإن هذا الواقع يُبرز الحاجة إلى مراجعة منهجية لتقييم الأدوية خارج الأطر الربحية، وإلى مؤسسات مستقلة تكون قادرة على دعم العقاقير بناءً على جدواها السريرية والاجتماعية، لا فقط إمكانياتها التسويقية.
إن توفير العلاج الفعّال يجب أن يكون حقًا لا سلعة، والعلم يجب أن يتقدّم على السوق حين تكون حياة الإنسان على المحك. في عالم ما بعد الجائحة، لم تعد أزمة الدواء مسألة تقنية فقط، بل قضية أخلاقية وإنسانية وسياسية من الطراز الأول.
مراجع