واشنطن والبحث عن مخرج لـ «إسرائيل» ينقذها من مأزق الغرق أكثر في رمال غزة
كتب حسن حردان
هل بدأ مسار بحث واشنطن عن مخرج لـ «اسرائيل» لإنقاذها من الغرق أكثر في رمال غزة المتحركة، ويحفظ بعضاً من ماء وجهها؟
هذا السؤال بدأ يُطرح هذه الأيام مع مجيء وليم بيرنز مدير وكالة المخابرات الأميركية إلى قطر، والمعلومات عن بدئه مباحثات مع نظيريه الإسرائيلي والمصري، وبمشاركة قطرية، عن صيغة تسوية، ووقف دائم للنار يتضمّن عقد صفقة شاملة لتبادل الأسرى بين حركات المقاومة الفلسطينية و»إسرائيل»، تقضي بإطلاق العسكريين الصهاينة لدى المقاومة مقابل الإفراج عن جميع الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، وتكون هي السلم الذي يؤمّن لنتنياهو نزوله من شجرة العدوان.
الواضح من خلال هذه الحركة الدبلوماسية الأميركية، أنّ «إسرائيل» باتت تعاني من مأزق كبير وتحتاج فيه إلى مساعدة واشنطن لإخراجها منه، وهذا المأزق نابع من الآتي:
أولاً، انّ حكومة نتنياهو غير قادرة على التراجع في غزة بعد استكمال عملية تبادل الأسرى، لأنّ ايّ تراجع الآن في ظلّ فشلها في تحقيق أهدافها التي أعلنتها وهي القضاء على كتائب القسام وبقية حركات المقاومة في غزة، وتغيير الواقع القائم هناك، لتحقيق أمن دائم للكيان ولا سيما للمستوطنين في غلاف غزة، سيعني هزيمة مكتملة الأركان، خصوصاً بعد ان فشل نتنياهو في تحقيق هدفه في تحرير الأسرى الاسرائيليين من دون دفع الثمن، ورضوخه لشروط حركة حماس في صفقة تبادل الأسرى المدنيين.. لا سيما أنّ التوقف الآن والانسحاب من غزة خالي الوفاض ومهزوماً أمام المقاومة، سوف تكون له تداعيات زلزالية داخل الكيان تبدأ…
1 ـ بانهيار حكومة نتنياهو عبر انسحاب أحزاب اليمين الصهيوني المتطرف احتجاجاً على وقف الحرب، ومحاسبة نتنياهو وفريقه الأمني والعسكري على الإخفاق والفشل في 7 أكتوبر وعن الهزيمة البرية أمام المقاومة، ولا تنتهي بتداعيات هذه الهزيمة.
2 ـ تعميق الانقسام السياسي بين الأحزاب والتيارات المختلفة حول الخيارات السياسية المستقبلية للكيان في ضوء نتائج الهزيمة في غزة وما تكرّسه من حقائق استراتيجية، بانتهاء زمن قدرة الجيش الاسرائيلي على تحقيق النصر والامن والاستقرار للكيان.
3 ـ رفض المستوطنين في غلاف غزة وشمال فلسطين المحتلة العودة إلى مستوطناتهم التي نزحوا عنها لأنهم أصبحوا على يقين انّ جيشهم لم ينجح في القضاء على المقاومة وضمان الأمن الدائم لهم، وبالتالي فقدوا الثقة به وقدرته على حمايتهم.
4 ـ بدء المستوطنين من حملة الجنسية المزدوجة، وهم الغالبية، هجرة كثيفة من فلسطين إلى البلدان التي جاؤوا منها.
5 ـ امتناع الشركات الأجنبية التي أوقفت أعمالها خلال الحرب عن العودة إلى استئناف أنشطتها في الكيان لأنها لا تستطيع البقاء والاستثمار في مكان خطر أمنياً لا يتوفر قيه الاستقرار حيث تحصل كلّ فترة حرب تشلّ الحياة الاقتصادية تعرّض هذه الشركات إلى خسائر كبيرة…
ثانياً، أما المأزق الثاني فإنه ينبع من أنّ استئناف العدوان محفوفاً بالمزيد من مخاطر الغرق أكثر في مستنقع الاستنزاف في غزة، وبالتالي مضاعفة الخسائر الإسرائيلية نتيجة ما سيواجهه جيش الاحتلال من مقاومة ضارية، وذلك على كلّ المستويات:
1 ـ ارتفاع أعداد القتلى من الضباط والجنود، قياساً لما تكبّده جيش الاحتلال من خسائر في خلال عدوانه البري على مدى ثلاثة أسابيع، والتي بلغت آلاف القتلى والجرحى، وتدمير مئات الدبابات والمدرّعات.. إلى جانب استمرار خسائر جيش الاحتلال على الجبهة الشمالية مع جنوب لبنان، والتي تمكنت المقاومة اللبنانية ايضاً من شنّ حرب استنزاف ضده وتكبيده خسائر كبيرة في الأرواح والمعدات العسكرية والتجسسية.
2 ـ عدم قدرة جيش الاحتلال على تحقيق أهدافه، بناء على ما حصل من فشل كبير حتى الآن رغم انه استخدم أقصى ما يملك من قوة جوية وبرية وقيامه بعملية تدمير غير مسبوقة وارتكاب المجازر المروعة، إلا أنه لم يتمكن من إضعاف قدرات المقاومة القتالية وكسرها.. ولهذا فإنّ الخبراء العسكريين لا يتوقعون أن تكون نتائج استئناف العدوان أفضل حالاً من نتائج المرحلة الأولى التي انتهت إلى فشل ذريع وانتصار المقاومة والذي تجسّد بالرضوخ لشروطها في قبول الهدن المؤقتة وتبادل للأسرى المدنيين.
3 ـ ازدياد ضغط عائلات الأسرى الصهاينة، والمتضامنين معهم، على حكومة نتنياهو لأجل قبول عقد صفقة لإطلاق جميع الأسرى من كلا الطرفين، ورفض أن يكون هناك تمييز بين أسرى وأسرى، حتى ولو أدّى ذلك إلى وقف دائم للنار، لأنهم لم يعد لديهم ثقة بقدرة الجيش الإسرائيلي لا على اطلاقهم ولا على الحفاظ على حياتهم أو تحقيق النصر ضد المقاومة خاصة بعد شاهدوا النتائج المخيبة على كل هذه الصعيد.
4 ـ زيادة خسائره الاقتصادية، حيث مع كلّ يوم حرب يتكلف كيان الاحتلال 250 مليون دولار، فيما تستمر حالة الشلل الاقتصادي وما تسبّبه من خسائر مادية، يفاقم منها الحصار الذي فرضه الجيش اليمني على حركة السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر، وأعباء استمرار نزوح نحو ثلاثمائة ألف من مستوطنات غلاف غزة وشمال فلسطين المحتلة.. وكلفة جنود الاحتياط.
5 ـ اشتداد حالة العزلة الدولية حول الكيان، في ظلّ اشتداد الضغط العالمي وارتفاع منسوب غضب الرأي العام العالمي وتراجع دعم حلفاء الكيان لاستمرار العدوان، بل وانضمام العديد من الدول الأوروبية إلى موقف الدول التي تضغط لوقف الحرب وذلك تحت تأثير موقف شعوبها الساخطة والغاضبة على ما ترتكبه «إسرائيل» من جرائم ضدّ الإنسانية في غزة.
انطلاقاً من ذلك فإنّ خيار استئناف العدوان لن يخرج نتنياهو وحكومته الائتلافية من المأزق، بل انه سوف يفاقم من حجم الخسارة والهزيمة، وبالتالي تداعياتهما على الداخل الاسرائيلي، وزيادة فاتورة المحاسبة عن مسؤولية الفشل والاخفاق في 7 أكتوبر، وما تلاه..
ولهذا فإنّ إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بدأت العمل عبر بيرنز لإيجاد مخرج ينقذ «إسرائيل» من مأزقها وورطتها في غزة، وقد توجد لنتناهو ما يشجعه على التعاون معها بضمان أن يقبل حلفاؤها في المعارضة الإسرائيلية تشكيل حكومة ائتلافية معه تجنبه المحاسبة ودخول السجن، بعد أن هدّدت أحزاب اليمين المتطرف بالانسحاب من الحكومة اذا لم يتمّ استئناف العدوان…