الضفة الغربية واليوم التالي لانتهاء الحرب على غزة
يستحق القراءة:
قراءة استشرافية للخبير والمحلل الاستراتيجي عبدالله الأمين
مقدمة:
يؤرخ الكثير من المتابعين للمقاومة في الضفة الغربية بأحداث مفصلية مرت على مدننا وقرانا وأهلنا وناسنا هناك ، ففي عام 1987 بدأت الانتفاضة الأولى ، وما رافقها من أعمال بطولية اتسمت بكثير من التحدي والعنفوان ، ولكنها اقتصرت على عمليات اشتباك بالحجارة وعبوات الملتوف والمقاومة الشعبة ، من حرق ودهس و( دهورة ) لحافلات المستوطنين ، ثم بدأت هذه الفعاليات بالخفوت والتراجع مع الأيام . ثم كانت الانتفاضة الثانية عام 2000 والتي استمرت حتى عام 2005 ، حيث جاءت هذه الانتفاضة كرد على تدنيس ” أرئيل شارون ” للمسجد الأقصى ؛ فكانت هبة أشعلت الأرض تحت أقدام العدو ، بما صاحبها من عمليات استشهادية ، واشتباكات مسلحة عسكرية . ثم كانت عملية السور الواقي 2002 التي اجتاح فيها العدو مدن وقرى الضفة الغربية ، وحاصر مقرة المقاطعة في رام الله حيث مركز قيادة سلطة الحكم الذاتي ، وما رافق هذه العملية من بطولات في كافة مدن الضفة الغربية ؛ خاص مدينة جنين ومخيمها ، الذين أضحيا ـ وما زالا حتى الآن ـ أيقونة المقاومة ورمزاً للصمود ، ومصدر قلق و(وجع) رأس للعدو الصهيوني . ثم جاء السابع من أكتوبر 2023 وأرخى بظلاله ـ وما زال ـ على المشهد المحلي والإقليمي والدولي ، حيث خطفت غزة الأضواء من معظم المشهد الدولي ، فضلاً عن المحلي والإقليمي ؛ حتى أنها تقدمت على أوكرانيا ، وهي من هي في معادلات ( الكباش ) الدولي بين روسيا وحلف شمال الأطلسي ؛ فسرقت غزة منها ـ أوكرانيا ـ الأضواء ، كما لم يعد يفطن للسودان وما فيه من حرب أهلية ، أو سوريا وما فيها من قواعد أمريكية . وهنا لا بد من تسجيل نقطة مهمة يغفل عنها البعض وهي أن العدو عندما أفاق من صدمته ، والمفاجأة التي فاجأته بها قوى المقاومة وعلى رأسها كتائب الشهيد عز الدين القسام في غزة ، عندما صبّحته في يوم عيده في السابع من أكتوبر 2023 ، نقول أن العدو عندما أفاق من هذه الصدمة ؛ عمل على احتوائها ، والتعامل معها انطلاقاً من مجموعة دروس وعبر كان قد استخلصها من معركة ” سيف القدس ” عام 2022 ، عندما خرجت بعضاً من مدننا المحتلة عام 1948 عن سيطرة العدو ـ اللد مثلاً ـ ، حيث شكل له تحرك أهلنا في هذه المدن ، وفي الضفة الغربية قلقاً وفزعاً ، ظن معه أنه سائرٌ إلى الهاوية ؛ لقد كان أهم درس استخلصه العدو من معركة ” سيف القدس ” أنه لا يجب أن يخوض حرباً أو يخرج لمواجهة أي تهديدٍ قبل أن ( يُثَبّتَ ) مصادر التهديد في الضفة الغربية ، وفي المناطق المحتلة عام 1948 ، هذا فضلاً عن الجبهات الخارجية ؛ خاصة جبهته مع جنوب لبنان حيث المقاومة الإسلامية ” حزب الله ” ، فخصص لكل هذه الجبهات ما يناسبها من قدرات ، ففي مناطق الثمانية والأربعين جهودٌ عسكرية وأمنية وسياسية ، منعت الجميع من الحراك أو المشاركة الفاعلية في التخفيف عن أهلنا في غزة ، أما الضفة الغربية ؛ فقد قطع أوصالها ، وشل حركتها ، ونشر فيها ما لا يقل عن 750 حاجز و ( محسوم ) ثابت وطيار ، وفي لبنان ؛ نشر ثلاث فرق عسكرية ، هو في أشد الحاجة لها في الجهد الرئيسي على جبهة غزة ؛ ثم لم يكتف بهذا الأمر ؛ فشرع في عمليات الاجتياح الشبه يومية للضفة الغربية ومدنها وقراها ، فبلغت عمليات اجتياحه اليومية ما لا يقل عن 60 عملية اجتياح ، فارتقى شهداء بلغوا الـ 450 شهيد ، واعتقل ما لا يقل عن 8500 معتقل ، وجَرّف البنى التحتية والخدمية في معظم الأماكن التي دخلها ، محاولاً تأليب الحاضنة الشعبية على فصائل المقاومة المنتشرة في المدن والمخيمات . إن المراقب عن بعد يظن أن ما قام ويقوم به العدو في الضفة الغربية هو أقصى ما يمكن أن يقوم به الآن ، أو بعد انتهاء الحرب في غزة ، الأمر الذي يعتقد كاتب هذه الورقة أنه بحاجة لمرجعة ، حيث نعتقد أن العدو مقبلٌ على عمل هو أشد خطورة ، وأكثر فتكاً وإيلاماً للمقاومة وحاضنتها في الضفة الغربية ، وأنه ينتظر اليوم الذي ينتهي فيه من غزة كجهد رئيس للعمليات ، ليحوّل قدراته القتالية وجهوده التعبوية نحو الضفة الغربية ، فتصبح هي محور الجهود الرئيسية ، بعد أن كانت محط الجهود الثانوية ، الأمر ـ هذه التحول ـ ستحاول هذه الورقة التفصيل فيه عبر مجموعة من العناوين ، بهدف إعداد العدة للقادم من الأيام ، فـ ( العليق يوم الغارة ما بنفع ) .
هدف العدو :
لاستشراف حركة العدو المستقبلية ؛ لابد من توقع نواياه ـ المهمة الرئيسية لضباط الاستخبارات العسكرية ، معرفة نوايا العدو المستقبلية ـ وتعريف أهدافه المتوقعة من مناورته التعبوية المقبلة في الضفة الغربية