حين يتحدّث الصغار بلغة الكبار… نبيه بري مدرسة في الدولة لا تُمسّ بالشعارات
بقلم الإعلامي علي أحمد مدير موقع صدى فور برس
لم يكن مفاجئاً أن يُصدر حزب “القوات اللبنانية” بياناً حادّ اللهجة ضدّ دولة الرئيس نبيه بري، في محاولة جديدة لتسجيل حضورٍ سياسي عبر افتعال خصومةٍ مع الرجل الذي مثّل، على مدى عقود، ضمانة الاستقرار وحارس الميثاق الوطني.
لكن ما كان مستغرباً هو أن يأتي البيان مفعماً بالمواعظ الدستورية من حزبٍ لم يعرف يوماً معنى الدولة إلا من باب المصلحة، ولا أتقن في مسيرته سوى فنّ التعطيل والتبرّؤ من مسؤولياته الوطنية.
من السذاجة السياسية أن يحاول البعض أن يضع نفسه في موقع من يُقيِّم تجربة الرئيس بري. فالرجل الذي دخل المعترك الوطني من بوابة المقاومة والحوار والمؤسسات، ليس بحاجة إلى شهادة في الوطنية من حزبٍ يُتقن الاستثمار في الفوضى أكثر مما يُتقن بناء الدولة.
فكم من مرة عطّلت “القوات” جلسات انتخاب رئيس الجمهورية؟
وكم من مرة حوّلت الدستور إلى ورقة تفاوض؟
وكم من مرة استخدمت الشعارات الميثاقية غطاءً لمصالح فئوية لا تمتّ بصلة إلى روح لبنان؟
الرئيس نبيه بري، بخلاف كل هذه النماذج المتقلّبة، يقرأ الدستور بعين الدولة لا بعين الحزب. يعرف أن النصوص لا تُختزل بعدد الأصوات بل بروح الميثاق والتوازن الوطني.
ومن هنا، فإن ما قاله بشأن الجلسات التشريعية لا يخرج عن صميم النظام الداخلي ولا عن الأعراف التي صانها بري بنفسه طوال رئاسته للمجلس النيابي، حين كان البعض غائباً عن كل مفصل وطني، أو حاضراً فقط عند اقتناص المكاسب.
أما الاتهام بأنه “يعطّل” اقتراح القانون المتعلّق بالمادة 112 من قانون الانتخاب، فليس سوى محاولة لتغطية نوايا واضحة: تحويل صوت المغتربين إلى أداة انتخابية موجّهة، لا إلى مساحة تمثيل وطنيّ شامل.
فالرئيس بري لا يرفض مشاركة المنتشرين، بل يرفض أن يُختطف صوتهم في مشروع سياسي يميّز بين اللبنانيين المقيمين والمغتربين ويستخدمهم وقوداً في معركة داخلية ضيّقة.
نبيه بري لم يكن يوماً في موقع الدفاع عن نفسه، لأن تاريخه السياسي والدستوري كفيل بالردّ عن أي اتهام.
هو الذي أبقى المجلس النيابي المؤسسة الوحيدة التي لم تنهَر في لحظات الفراغ، وهو الذي جمع الخصوم تحت سقف واحد حين كانت لغة الحرب تعلو على لغة الحوار.
ومن يريد أن يزايد عليه اليوم في احترام الدستور، عليه أن يسأل نفسه أولاً: أين كان يوم كان بري يصون وحدة الدولة بينما كانت “القوات” تزرع الانقسام وتستثمر في العداء؟
المعادلة بسيطة وواضحة:
نبيه بري هو رجل الدولة، لا رجل المواسم. هو الثابت الذي يحفظ التوازن حين يضيع الآخرون في العناوين.
ومن العبث أن يحاول أحدٌ الانتقاص من دوره، لأن ما صنعه بري في تاريخ لبنان السياسي لا يمكن أن تمحوه بيانات موسمية ولا مواقف ظرفية.
في النهاية، إن أخطر ما يواجه لبنان اليوم ليس خلافاً على مادة قانونية، بل محاولة بعض القوى تحويل الخلاف السياسي إلى منصّة للنيل من رموز الدولة.
لكن التاريخ يعرف جيداً من بنى ومن هدم، ومن حمى الدستور ومن استخدمه أداةً في بازار السياسة.
وللتاريخ نقول: سيبقى نبيه بري صمّام أمان لبنان، ووجه الدولة الحقيقي حين تتقنّع الأقنعة بالشعارات.